مراحل البعث والجزاء في الإسلام

عنوان المقال: مراحل البعث والجزاء

مقدمة

يمثل الإيمان بالبعث والجزاء أحد أركان العقيدة الإسلامية التي لا تكتمل إلا به. وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة هذا الركن اهتماماً بالغاً، لأنه يرتبط بالعدل الإلهي الذي لا يُظلم عنده أحد، ويُؤسِّس لفهم الغاية من الوجود الإنساني على الأرض. إن مراحل البعث والجزاء تمثل سلسلة من الأحداث الكونية والوجودية التي تبدأ بعد انتهاء الحياة الدنيا وتنتهي بدخول الخلق الجنة أو النار، وهي مراحل عظيمة الشأن، مرعبة الجلال، دقيقة التفصيل، تحدث عنها الوحي في مواطن كثيرة. ومن خلال هذا المقال المطوّل نعرض بدقة واستفاضة مراحل البعث والجزاء كما وردت في النصوص الإسلامية، مستعينين بالمصادر القرآنية والحديثية، ومراعاتنا للترتيب الزمني والمنطقي.

أولاً: النفخ في الصور

تبدأ رحلة البعث والجزاء بالنفخ في الصور، وهي العملية الكونية الأولى التي تعلن نهاية الدنيا. وقد بيّن القرآن الكريم ذلك في عدة مواضع، حيث قال تعالى:

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر: 68].

الصورة القرآنية هنا تصف حدثاً مهولاً يصعق فيه كل حي، فيموت كل من في السماوات والأرض إلا من استثناهم الله، كالملائكة الذين أوكلت إليهم مهام بعد النفخة.

تكون هناك نفختان رئيسيتان بحسب ما دلت عليه النصوص:

• النفخة الأولى: هي نفخة الفزع والموت، وبه تنتهي الحياة الدنيا.

• النفخة الثانية: هي نفخة البعث، وفيها يبعث الله الخلائق من قبورهم.

ثانياً: البعث من القبور

بعد النفخة الثانية، يبعث الله الموتى من قبورهم. قال تعالى:

﴿وَنُفِخَ فِيهِ أُخْرَىٰ فَإِذَا هُم قِيَامٌ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر: 68].

يخرج الناس من قبورهم حفاة، عراة، غرلاً، كما ورد في حديث النبي ﷺ، ويقفون في ساحة واحدة تُسمى ساحة المحشر.

قال عليه الصلاة والسلام: “يحشر الناس يوم القيامة حفاةً عراةً غرلاً، قالَت عائشة: يا رسولَ اللهِ، الرجالُ والنِّساءُ ينظرُ بعضُهم إلى بعضٍ؟ قال: يا عائشةُ، الأمرُ أشدُّ من أن ينظرَ بعضُهم إلى بعضٍ”.

ويُبعث الإنسان على هيئته، لكنه يبعث على ما مات عليه، فمن مات ساجداً يُبعث ساجداً، ومن مات على معصية يُبعث على تلك الهيئة، كما ورد في أحاديث صحيحة.

ثالثاً: الحشر

الحشر هو جمع الخلائق في مكان واحد للحساب. قال الله تعالى:

﴿يَوْمَ نَحْشُرُ النَّاسَ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ [غافر: 59].

ويحشر الخلق على أرض بيضاء نقية، كما جاء في الحديث: “يُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء، كقرصة النقي، ليس فيها علمٌ لأحد” [رواه البخاري ومسلم].

في هذا الموقف العظيم، تُدنى الشمس من الخلائق، فيكون العرق بحسب أعمالهم، فمنهم من يبلغ عرقه كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى ركبتيه، ومنهم من يُلجمه إلجامًا.

ويطول هذا الموقف حتى يطلب الناس من الأنبياء الشفاعة ليبدأ الحساب، فيذهبون إلى آدم ثم نوح ثم إبراهيم ثم موسى ثم عيسى، إلى أن تنتهي الشفاعة إلى محمد ﷺ، فيقول: “أنا لها”.

رابعاً: العرض والحساب

الحساب هو المرحلة التي يُعرض فيها كل إنسان على الله تعالى لمناقشة أعماله. قال تعالى:

﴿وَعُرِضُوا عَلَى رَبِّكَ صَفًّا﴾ [الكهف: 48].

ويختلف عرض الحساب من عبد لآخر؛ فالمؤمنون يعرض عليهم حساب يسير، بينما الكفار والمنافقون يحاسبون حساباً عسيراً.

الحديث عن الحساب يتضمن:

• عرض الأعمال: تُعرض صحف الأعمال، وتفتح الكتب، ويقال للعبد: اقرأ كتابك.

• الميزان: وهو ميزان حقيقي توزن به الأعمال. قال تعالى: ﴿وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾ [الأنبياء: 47].

• الشفاعة: تتعدد أنواع الشفاعة، منها شفاعة النبي ﷺ لأهل الكبائر، وشفاعة القرآن، وشفاعة الملائكة.

خامساً: تطاير الصحف

بعد الحساب تُوزع الصحف التي تحوي سجلّ الأعمال. قال الله تعالى:

﴿فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ﴾ [الحاقة: 19].

أما من يؤتى كتابه بشماله أو من وراء ظهره، فهو من الأشقياء، ويخزى في ذلك اليوم.

سادساً: الميزان

الميزان مظهر عظيم من مظاهر العدل الإلهي، توزن فيه الحسنات والسيئات، وهو ميزان حقيقي له كفتان. وقد جاء في الحديث الصحيح:

“كلمتان خفيفتان على اللسان، ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم”.

وتُوضع الأعمال في الميزان، وقد تُوزن بعض الأشخاص أنفسهم أو بطاقات العمل، كما في حديث الرجل الذي معه بطاقة “لا إله إلا الله” فثقلت ونجا بها.

سابعاً: الحوض

لكل نبي حوض، وأعظمها حوض النبي محمد ﷺ. ورد في الحديث: “حوضي مسيرة شهر، ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وآنيته كنجوم السماء، من شرب منه لم يظمأ بعده أبداً”.

ويُطرد من هذا الحوض من غيّر وبدّل بعد رسول الله ﷺ، فتقول الملائكة للنبي: “إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك”.

ثامناً: الصراط

الصراط جسر ممدود على متن جهنم، يعبره الناس بحسب أعمالهم. وصفه النبي ﷺ بأنه: “أدق من الشعر وأحد من السيف”.

ويُعطى كل شخص نوراً يعبر به، فمنهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون كنخلة، ومنهم من يُعطى نورًا بين إبهامه، ويُخطف خطفًا، وآخرون يسقطون في نار جهنم.

قال تعالى:

﴿يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَىٰ نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم﴾ [الحديد: 12].

تاسعاً: القنطرة

بعد اجتياز الصراط، يوجد مقام يسمى “القنطرة”، وهو موضع لتصفية القلوب بين المؤمنين، وتُقتصّ فيه الحقوق قبل دخول الجنة.

قال ابن حجر: “القنطرة موضع بين الجنة والنار، يتقاصّ الناس فيه مظالم كانت بينهم في الدنيا، فإن هُذّبوا ونُقوا أُذن لهم بدخول الجنة”.

عاشراً: الشفاعة الكبرى والشفاعات الأخرى

الشفاعة الكبرى هي خاصة بالنبي ﷺ حين يتوجه الناس إليه ليبدأ الله الحساب، وهي ما تُسمى “المقام المحمود”.

وهناك أنواع متعددة من الشفاعة منها:

الحادية عشرة: الجنة والنار

بعد المرور بجميع هذه المراحل، يُقضى بين الخلائق، فتنقسم إلى قسمين:

• الجنة: دار النعيم الأبدي، وعد الله بها المتقين. فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

• النار: دار العذاب لمن كفر بالله وعصاه، ولها درجات متعددة، أشدها جهنم.

وقد وصف الله الجنة بأنها:

﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ﴾ [البينة: 8].

ووصف النار بأنها:

﴿إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾ [الفرقان: 66].

خاتمة

إن مراحل البعث والجزاء كما وردت في النصوص الشرعية ترسم لنا صورة متكاملة عن مصير الإنسان بعد موته، بدءًا من النفخ في الصور وانتهاءً بالخلود الأبدي في الجنة أو النار. وتشكل هذه المراحل جوهر العقيدة الإسلامية في الإيمان بالآخرة، وتعمل كدافع للإنسان ليحيا حياته ملتزماً بشرع الله، خاشعاً لعظمته، متأملاً في عدله، مترقبًا لموعد اللقاء.

المصادر:

1. صحيح البخاري، صحيح مسلم

2. تفسير ابن كثير، الطبري، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي